اوديسة أبو كيس

كيس يدير غرفة العمليات
كيس يدير غرفة العمليات

 

حين كان ابو كيس يقضي لياليه بين غرف نوم اطفال العالم لتخويفهم، كانت زوجته “كايسا” تجلس وحيدة في فراشها غير قادرة على النوم، تقضي لياليها بالصلاة. وكان طلبها الوحيد أمسية واحدة يبقى فيها زوجها بجوارها في الفراش بدل ان يثير رعب الاطفال بكيس النايلون الاسود الذي يضعه على وجهه.

كايسا لم تفقد الامل يوماً واحداً، كما انها لا تلوم زوجها على قَدَره. فهو لم يختر هذه المهنة بنفسه بل فُرضت عليه من قبل والده المرحوم “كيس جنفيص الاكبر” وهو الآن يريد ان ينقل اسرار المهنة الى ابنه “كيس”.

الا ان الأم لها موقف آخر من موضوع مستقبل ابنها. هي لا تبحث سوى عن حياة طبيعية وحنان من زوجها. لا تريد ان تخجل بعد الآن كلما سُئلت عن زوجها. لم تعد ترد ان تجيب بأن زوجها يقضي الليالي في غرف الاطفال كأنه منحرف جنسياً. لذلك قررت ان تبدأ بإبنها “كيس” للقضاء على مهنة زوجها.

بدأت الزوجة خطتها المبنية على ان تشرح لإبنها كيس ان اباه هو ابو كيس وهو ليس شخصاً مخيفاً بل يلعب هذا الدور لأنها المهنة الوحيدة التي تعلّمها من والده كيس جنفيص الاكبر. وبعد توضيح المسألة لإبنها، ارسلته ليشرح ما تلقّنه لباقي الاطفال في المدرسة حتى تنتشر الحقيقة في كل مكان ولا يبقى طفل على الارض يخاف من اسطورة ابو كيس.

وهكذا فعل كيس، الذي كان لا يزال في الرابعة من عمره، فبدأ بإخبار اصدقائه في الصف وفي باحة المدرسة عن الحقيقة وكيف ان الاهل يخوّفون الاطفال بشخصيات خيالية. وكان “كيس” اصغر قائد تحرري في التاريخ يدعو رفاقه الى التغلّب على الخوف ومواجهة بروباغاندا الاهل والمؤسسات التربوية.

ومن اهم اقواله بداية خطاب القاه في احد المدارس حين كان في السادسة من عمره، قال: “انا كيس ابن ابو كيس اتمرّد على اجدادي وأُعلن ان ابا كيس ليس سوى كذبة وقحة.” كما كتب في احدى بياناته التي وُزّعت في الحدائق العامة :”اذا كان اهلنا يفعلون ما يشاءون في غرفة النوم، فلما يخلقون لنا في غرف نومنا ادوات مبكرة للقمع والخوف.”

وبلغت حملة التوعية ذروتها حين كان كيس في الثامنة من عمره. عندها وصل التمرّد الى اقصاه. فعندما كان الاهل يهددون بالقول: “ما بقا تعيّط …بجبلك ابو كيس”، كانت اجابة الطفل او الطفلة “كيس امّك…مش عليي هالحركات.” وكانت ام كيس تتابع انتفاضة ابنها عن كثب وهو يحصد الانتصارات ويزيد من اتباعه. الا انها كانت تحذّره دائماً من ان يكتشف والده ان ابنه الوحيد هو سبب اخفاقه في عمله. فحافظ كيس على سرية نشاطه.

نجحت الخطة واصبح ابو كيس عاطلاً عن العمل. وتوقف الآباء والأمهات عن تخويف اولادهم بـ”ابو كيس” كونه لم يعد مصدراً للخوف بعد الآن. حينها جاء دور كايسا لاقتناص الفرصة. واذ بها تعرض على زوجها العاطل عن العمل ان يفتح دكاناً قرب المنزل لتأمين مدخول متواضع وتربية ابنهما كيس وتعليمه في جامعة جيدة. وبذلك، بدل ان يضع الاكياس السوداء على وجهه كالعادة، سيعطيها لزبائن الدكان كلّما اشتروا غرضاً من محلّه.

وافق ابو كيس، الذي اصبح اسمه ابو سركيس الدكّنجي، على اقتراح زوجته. وقرر الزوجان تغيير اسم ابنهما الى “سركيس” كي لا تلحقه اللعنة في المستقبل. فمنذ البداية لم تكن تبحث كايسا سوى عن حياة طبيعية لها ولعائلتها. واصبح ابو سركيس يداوم نهاراً في دكّانه وعندما يحلّ الليل يعود الى منزله حيث تنتظره زوجته بوجبتين ساخنتين، واحدة في غرفة الطعام…واخرى في غرفة النوم.

اما سركيس، الذي بقي يفضّل ان ينادى بـ”كيس” حتى قبل وفاته بظروف غامضة، قال في احدى المقابلات: “انا لا اعرف معنى الخوف، ففي حين كانت غرف نومكم مصحّاً للسيطرة على العقول، كانت غرفة نومي مصنعاً للحرية والعصيان.”

3٬422 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *