النسخة الثالثة لـ«شارك» بنكهة لبنانية: مبدعو الإنترنت شاركوا بيروت ثورتهم

أحتضنت بيروت في 5، 6 و7 تشرين الأول (اكتوبر) الحالي مؤتمر “شارك” (Share)، وهو تجمع يمكن إختصاره بـ “72 ساعة من تبادل الأفكار والإبداعات.” ويقول القيّمون على المؤتمر، الذين نظّموا النسخة الأولى والثانية منه في العاصمة الصربية بلغراد عامي 2011 و 2012، ان “شارك بيروت” هو مجموعة من الفعاليات والنشاطات المجانية المفتوحة، تجتمع حول ثقافة الإنترنت والتكنولوجيا خلال النهار، وتحتفل بالموسيقى المعاصرة خلال الليل. وقد قدّم مبدعون في هذه المجالات محاضرات حول الأشكال الجديدة للنشاط الإجتماعي، وسبل جديدة لإستعمال الأدوات التكنولوجية الحديثة في الإنتاج والتأثير.

بساطة إسم المؤتمر “شارك” تأتي من بساطة هدفه: “مشاركة الجميع كل ما تعرفه”. فهو محاولة لفهم ثقافة الإنترنت وكل ما تحمله من لا مركزية وإنفتاح وسهولة في الوصول الى كافة أشكال التواصل والتبادل والإبداع. كما يهدف المؤتمر الى تقوية الإبداع الفردي وشبك الأشخاص ذوي الأفكار المتشابهة ووضع قيم ومباديء جديدة تمنع أي نوع من القمع أو الرقابة للأجيال القادمة. ونتيجة لذلك، تعرّف المشاركون على بدائل جديدة في مجال الإقتصاد والثقافة والتربية، أصبحت في متناول الجميع نتيجة التقدّم التكنولوجي.

مشاركة من الصف الأول

وإنطلاقاً من هذه الأهداف، تم إختيار المشاركين في المؤتمر من عرب وأجانب ممن ساهموا في تشجيع الوصول الى البرمجيات والمعلومات المفتوحة، ودفع عجلة التغيير في المجتمع، وحماية الإنترنت من كل أنواع الحجب والرقابة، بهدف الحفاظ عليه كمساحة مفتوحة وحرّة للجميع.

بيتر سندي، أحد مؤسسي موقع “بايرت باي” (Pirate Bay)، هو صاحب أفكار ثورية غيّرت وجه الإنترنت. إذ واجه موقع “بايرت باي” لمشاركة الملفات تحالفاً ضخماً مؤلفاً من حكومات دول كبرى وشركات عالمية حاولت إيقاف الموقع عن العمل بحجة أنه يعتدي على حقوق الملكية الفكرية. إلا أن “مجتمع الإنترنت” ساند الموقع الإلكتروني الشهير في معركة “حق مشاركة المعرفة” حتى بقي “ميناء القراصنة” عصيّاً على الرقابة. حتّى ان حركات سياسية مثل “حزب القراصنة“، المنتشر في أكثر من 40 دولة حول العالم، خرجت الى العلن بعد هذه المعركة بهدف لعب دور أكبر لحماية الإنترنت من تدخل الحكومات والشركات. كما أبتكر سندي حديثاً أداة جديدة لدعم الفنانين او المبرمجين او أي نوع من الإنتاج الذي يعرضه أصحابه مجاناً على الإنترنت. فبواسطة “فلاتر” (Flattr)، يستطيع أي متصفح للإنترنت، وبكبسة زرّ واحدة، تحويل مبلغ رمزي لفنان صاعد أو كاتب برنامج إستفاد منه. وهكذا يستطيع الفنان او المبرمج تطوير إنتاجه، ويتوفّر التقدّم العلمي والثقافة للجميع من دون وساطة الشركات أو الحاجة الى دفع مبالغ طائلة. وهنا تبرز أهمية الإنترنت، بلامركزيته، حيث لا معنى للتمييز بين صاحب الفكرة والمستثمر والمستهلك.

وفي محاضرة تؤرّخ للمجتمعات الإلكترونية وتطور حركتها الإحتجاجية الإفتراضية، شرحت الكاتبة في مجلّة وايرد (Wired) الإلكترونية “كوين نورتن” (Quinn Norton)، كيف أن منتدىً إلكترونياً إسمه 4chan، يرتاده مراهقون لتبادل الصور الفكاهية، تحوّل الى جيش من الجنود المجهولين الذين ينفّذون هجمات الكترونية ضد أية حكومة أو شركة تحاول فرض رقابة أو قيود على الإنترنت. وأكملت نورتن، التي طغى على محاضرتها الطابع المرح أنه، وقبل ظهور الإنترنت، كان التخطيط لتحرك إحتجاجي يتطلّب كثيراً من الإجتماعات والوقت للإتفاق على فكرة واحدة قابلة للتنفيذ. أما مع ظهور الإنترنت بـ”لامركزيّته”، فتُطرح عشرات الإفكار للتحرّك خلال لحظات، ويتمّ تنفيذهاً جميعاً!

وتحدّث المشاركون عن مواقع وأدوات من إبتكارهم ذاع صيتها في عالم الإنترنت. ومن بينها برنامج أوشاهيدي (Ushahidi) المجاني الذي يسمح للناس بالإبلاغ عن أية شوائب خلال العملية الإنتخابية أو عمليات فساد في القطاع العام أو الخاص.

الربيع العربي يُشارك

وتحدث الناشط التونسي سامي بن غربية عن تجربته خلال “انتفاضة الياسمين” وعن الدور العملياتي للإنترنت في الدعوة والتنظيم ونقل أخبار التحركات في الشارع، مؤكداً أن ما حصل في تونس كان عفوياً بأمتياز. وفي سياق الحديث عن دور الناشط في إحداث التغيير، ميّز بن غربية بين نوعين من الناشطين: النوع الأول هو الناشط الذي يملك قنوات إتصال مع ناشطين ومنظمات دولية، ويكمن دوره في إيصال صوت الإنتفاضة من المناطق المغلقة الى الناشطين الدوليين ووسائل الإعلام الدولية. والنوع الثاني هو الناشط الميداني الذي، حسب تعبير بن غربية، “لا يعرف انه ناشط”، ويقوم، بطريقة عفوية، بتنظيم وتوجيه من حوله من أفراد في الشارع، يصور ما يحدث من حوله، ثم يقوم بتحميل الصور أو مقاطع الفيديو على الإنترنت. ودعا بن غربية الى عدم التقليل من أهمية أي فرد يشارك في التحركات حتى ولو كانت مساهمته بسيطة، إفتراضية كانت أو في الشارع، فكل شخص له دوره حسب مجال اختصاصه.

أما الناشط المصري وائل عباس، والذي اشتهرت مدونته “الوعي المصري” لنشرها اشرطة فيديو تظهر حالات تعذيب لمواطنين وناشطين مصريين من قبل عناصر الأمن المركزي قبل ثورة 25 يناير، فقد تحدث عن سبل استعمال المدونات ومواقع التواصل الإجتماعي في توثيق حالات القمع والفساد وإيصالها الى أكبر عدد ممكن من الناس حول العالم، بالرغم من التعتيم الإعلامي التي تتبعه وسائل الإعلام المحلية التابعة للنظام الحاكم. وأنهى عباس محاضرته بالقول “ان الثورة المصرية الآن هي في مرحلة حساسة بعد ان استغلّها إنتهازيون.”

وللبنان حصّته في هذا المؤتمر. إذ قدّم اللبناني نديم قبيسي للمشاركين تطبيق “كريبتوكات” (Cryptocat) كبديل آمن للتحادث عبر الإنترنت من خلال تشفير الأحاديث التي يجريها المستخدم بهدف حمايته من التنصّت والحفاظ على خصوصيّته.

أما نعيمة ظريف، مسؤولة “المشاع المبدع” (Creative Commons) في لبنان، فقد تحدّثت عن فوائد رخصة المشاع المبدع في مجال حماية الأعمال الفنيّة والإبداعية. وشجّعت ظريف المصمّمين والمبرمجين على استخدام هذه الرخصة التي تفيد المبدع والمستخدم على حدّ سواء، بدل الإحتماء بقوانين الملكية الفكرية التي أثبتت عدم قدرتها على التحكّم بتدفّق المعلومات.

وفي محاولة لتطبيق فكرة أحزاب القراصنة التي فازت بعشرات المقاعد في المجالس المحليّة والوطنية وفي البرلمان الأوروبي، قدّم “حزب القراصنة لبنان” خلال المؤتمر تعريفاً عن هذه الحركة الجديدة التي تتنوع أهدافها بين دعم الشفافية وحق الوصول للمعلومات ومشاركة المعرفة وخصوصية الفرد.

كما شاركت في المؤتمر مجموعة “لينكس هايف” (Linux Hive) اللبنانية التي تشجّع إستخدام البرامج المفتوحة المصدر ونظام “لينكس”، كبديل لنظامي “ويندوز” و “ماكينتوش”، لما يقدّمه من قدرة تقنيّة عالية على الرّغم من أنه مجانيّ ولا تملكه أية شركة خاصة.

هذه ليست سوى عيّنة مما تبادله الحاضرون خلال مؤتمر “شارك بيروت”. ولكنّ أهم ما يمكن إستخلاصه من المؤتمر هو كيف أن جيلاً جديداً من سكان هذا الكوكب يشارك بلا تردّد، وبطريقة لا إرادية، كل ما يكتشفه. ميزة فقدناها في المجتمع الصناعي لقرنين من الزمن. أما الآن، فقد دخلنا عصراً يمهّد لمجتمع المعلومات…فلنشارك!

5٬054 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *