من طانيوس شاهين الى موراي بوكشين

ocalan

تنويع أول: حركة طانيوس شاهين

أذكر إني قرأت لأول مرة عن مفهوم “بيئي لا مركزي” للحكم، بعد زيارتي لصفحة “حركة طانيوس شاهين” التي ظهرت خلال حراك النفايات على فايسبوك، وما بعد بعد فايسبوك. وتقول الحركة أنها تسعى الى المساواة بين الرجل والمرأة في الحكم. لم تجذبني الحركة. استسخفتها، هزأت منها. لم أتمعن أصلاً في الفكرة وتبعات أن يكون الحكم “بيئياً” رغم دعمي لكل ما يشجع على اللامركزية. السبب الأساسي لنفوري اللامنطقي هو بعض الأشخاص المنضوين داخل الحركة. وهناك احتمال كبير بأنني أملك أحكاماً مسبقة تجاه هؤلاء الأشخاص، مثلما حكمت بالإعدام على مفهوم “البيئي اللامركزي”.
كما أنني أملك احكاماً مسبقة تجاه طانيوس شاهين نفسه. الشخصية التاريخية التي قيل أنها قادت “ثورة الفلاحين” ضد الإقطاع في جبل لبنان منذ حوالي قرنين من الزمن. أعتبر طانيوس وثورته مثال على ما يتكرر في كل حقبة من تاريخ لبنان. “انتفاضة” تتحالف مع إقطاع ضد إقطاع آخر. في حين يتلقى كل إقطاع دعماً من دولة كبرى.
لا أعرف خلفيات إختيار “حركة طانيوس شاهين” للنموذج البيئي اللامركزي، وما إذا كان ذلك نتيجة لآراء قديمة تتبناها الحركة عندما تأسست في أواخر تسعينات القرن الماضي، أو بسبب ظروف طرأت حديثاً وتمثلت بأزمة النفايات.

تنويع ثان: روج آفا

أذكر إني قرأت مرة عن مفهوم “بيئي لا مركزي” للحكم خلال إحدى رحلاتي على الإنترنت. عبرت الرحلة بمقالة من موسوعة “ويكيبيديا “عن “روج آفا”، أي إقليم الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا والذي يتبنى نظام “الكونفدرالية الديموقراطية”، مع التركيز على المساواة بين الرجل والمرأة واحترام البيئة.
وبعد الإطلاع على بعض الريبورتاجات المصورة والمقالات المنشورة في الصحافة الغربية وقعت في حب “روج آفا” وهذا الشيء المسمى “بيئي لا مركزي”: تطالعك عبارات حول روج آفا ونظام حكمها: روج آفا معناها بالكردية: “الغرب” وأنا أحب الغرب الأميركي وأفلام الـ”وسترن”. حالة شاعرية امتلكتني. يظهر اوجلان في المقالات. يتحدث صحافي أميركي عن أن روج آفا هي “أوتوبيا في حديقة داعش الخلفية“. الإعلام الغربي روج بطريقة رومنسية للتجربة الكردية في شمال سوريا: “الربيع العربي هو فعلياً كردي”. هناك رئيسين للكونفدرالية: رجل وامرأة. جيش النساء منفصل عن جيش الرجال. المساواة بين الرجل والمرأة واحترام البيئة من أساسيات الحكم. أضف الى ذلك أن مئات المقاتلين “الغربيين” أتوا الى المنطقة للدفاع عن كوباني والمشاركة في النموذج اللامركزي المطروح… فـ”يا محلا أفلام هوليوود”.
تشكل البيئة والنسوية عمودين أساسيين من أعمدة الكونفدرالية الديمقراطية، إضافة الى اللامركزية والتعاونية. ويقال أن عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني والأب الروحي لمنطقة روج آفا، اختار هذا الطريق بعد تعرفه على أفكار المنظر السياسي اللاسلطوي الأميركي موراي بوكشين.
ثم قرأت مقالات وتقارير توثق “ممارسات” غير إنسانية لوحدات حماية الشعب الكردية في مناطق روج آفا. وبعد حوارات مع بعض الأصدقاء، انتقلت من الذهول بنموذج اوتوبيا روج آفا، الى إستحسان للتجربة، وصولاً الى التشكيك بفرضية نجاحها في ظل وجود ممارسات سلطوية بررها البعض وربَطها بظرف إستثنائي، متعلق مباشرة بالحرب السورية.

تنويع ثالث: الكونفدرالية الديمقراطية

رغم الإختلاف بين النموذجين حول شكل الدولة ودور السلطات، إلا ان اللامركزية البيئية تشكل الوجه الذي يعكس صورة المجتمع والقيم التي يهدف الى ترسيخها هذا النظام السياسي: المساواة بين البشر، واللاسلطوية، واحترام الأرض التي نعيش عليها.
لاحظت لاحقاً الترابط بين التجربتين: حركة طانيوس شاهين وكونفدرالية روج آفا. وكيف أن فكرة اللامركزية البيئية التي أعجبتني لدى الأكراد كنت قد رفضتها بشدة في فترة سابقة لأن من تبناها هم مجموعة لبنانية، لا استلطفها، رغم معرفتي المحدودة بشؤونها وأشخاصها.

كل ذلك حصل خلف شاشة الحاسوب – نافذتي المفضلة الى العالم. تعرفت الى حركة طانيوس شاهين (ولطالما تمنيت أن يتم اختيار عباس شاهين قائداً لها)، ومن ثم تعرفت الى المفكر الأميركي موراي بوكشين، وتجربة روج آفا، وكيف تتصارع المشاعر والمعلومات حول فكرة ما في داخلي. شكراً لكل من ساهم في نشر فكرة اللامركزية البيئية، إن أحسن إيصالها أو فشل، لبنانياً كان أو كردياً او عاملاً في الصحافة العالمية. عاشت اللامركزية البيئية من دون ممثلين عنها.
“إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية.. فالأجدر بنا أن نغير المدافعين.. لا أن نغير القضية”، هذا ما قاله غسان كنفاني يوماً ما.

5٬761 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *