بوند…حسن بوند

بوند…حسن بوند. هكذا تمتم حسن معرّفاً عن نفسه وسيجارة من ماركة بوند تتدلى من شفته السفلى. لم تكن المرة الاولى التي ارى فيها حسن او اسمع عن قصصه. الا انها كانت اول مرة اتبادل الحديث وجهاً لوجه مع أسطورة الضيعة ومحيطها. فمن لا يعرف حسن بوند لا يعرف شيئاً عن التاريخ البشري المعاصر.

نستنتج من قصص حسن انه عايش معظم الأحداث والمنعطفات السياسية والامنية التي عصفت بلبنان منذ عام 1975. فهو كشف مؤخراً خلال جلسة اركيلة وليخة، وبحضور العديد من رجال المنطقة، انه هو من كان يقود بوسطة عين الرمانة الشهيرة. ويبرّر دخوله بالبوسطة الى عين الرمانة بالقول:”القلوب مليانة، وان ما كبرت ما بنزغر…”. وكان حينها لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره.

حسن بوند يشرح، والتواضع ظاهر على جسمه الهزيل، انه هو اول من وصل الى اتوستراد خلدة ليوقف الاجتياح الاسرائيلي عام 1982. حينها كان يقود سيارته ال bmw  الحمراء الشهيرة بسرعة 320 كم بالساعة. وكان حسن بوند قد حصل عليها من مايكل شوماخر بعد ان داكشها ببوسطة عين الرمانة، مؤكداً انه “قرط” شوماخر بالسعر “لإنو البوسطة عليها 5 سنين كسر ميكانيك.” بالعودة الى اجتياح 1982 يقول حسن ان 12 دبابة ميركافا اسرائيلية حاصرته من كل الجهات. فما كان على حسن الوطني المعطاء الا ان يسحب قاذفة ال rpg ويبدأ بتخميس الـ bmw وهو يطلق القذائف بشكل دائري من شباكه بيد واحدة. لا يقول حسن انه دمّر الدبابات الاثني عشر، فهو دمّر 6 فقط. اما بقبة الدبابات، فتركها “تروح تخبّر ارييل شارون شو عمل حسن بوند برفقاتن.”

كما لعب حسن بوند دور الوسيط والمصلح بين الاطراف المتنازعة على ارض الوطن. ففي عام 1990، اقنع حسن بوند صديقه القديم ميشال عون بمغادرة القصر الجمهوري في بعبدا قبل ساعات من اقتحامه، نظراً لمعطيات وتحليلات جمعها بنفسه وهو يستحم بصابون الغار.

اما لدى سؤاله عن احداث 7 ايار 2008، يجيب حسن ان السبب الاساسي وراء الازمة كان اشكال على افضلية المرور كان هو احد اطرافه، وضخّمته وسائل الاعلام بطريقة غير مسؤولة. فهو اعتبر ان “المشكل انحل بلحظتها” وراقت الامور بعد ان اطلق النار على شوفير السيارة الثانية وارداه قتيلا.

ايضاً وايضاً. حسن بوند، صاحب الرؤيا الاقتصادية، كان همه الوحيد بعد انتهاء الحرب الاهلية انماء لبنان وبدء خطة اعادة الاعمار. فحسن هو الذي اقترح على رفيق الحريري المكان الافضل لتنفيذ مشروع سوليدير. وبرّر حسن اختياره للمكان بأنه قريب من منزل جدته التي تسكن في البسطة التحتا. كما كان حسن صاحب الفكرة الفنية العبقرية بتشييد داخوني الزوق كمعلم سياحي سيدير يوماً ما اموالاً طائلة الى خزينة الدولة. وكل هذه الافكار قدّمها بوند حباً بالوطن…ومن دون مقابل ولا حتّى بون بنزين.

وعن من يتسائلون عن سبب نزوح “النايت لايف” منذ بضعة سنوات من شارع مونو الى شارع الجميزة المجاور، يقول حسن ضاحكاً:”انا كنت اسهر بـ مونو. كنت كل سهرة سبت نزل قناني شامبانيا ليوم الشامبانيا والصبايا يفرفرو من حولي. وبعد فترة تعبت من هالجو وصرت انزل ع بار صغير بالجميزة. وما بلاقي الا  كل صبايا مونو نازلين ورايي ويقولولي “ما بتولع السهرا من دونك يا بوند …حسن بوند.”

وتعدّى تأثير حسن بوند حدود الوطن. ففي عام 1989، كان حسن يمرّ في احدى شوارع برلين عائداً من المركز الرئيسي لشركة الـ bmw  حيث اشترى “سبايدرات” لسيارته. واذ بحسن الذي لا يتفاجأ عادة، يتفاجأ بجمهرة من الناس الذين يحاولون هدّ حائط برلين. واعتقد حسن ان الحائط مخالف ومن دون رخصة بناء وقد تم بناءه سابقاً في ارض الدولة. وكانت محاولاتهم قد بائت بالفشل.

فتناول حسن سيكارة بوند من علبته واشعلها. ثم راقب كيف ان الناس يحاولون هدّ الحائط بالشاكوش ومفتاح الجنط، فتمتم بحسرة: “بعد بدكن كتير فتّ خبز.” وإذ بحسن، من دون طول سيرة، يخرج من صندوق سيارته اصبع ديناميت ويشعله ليفرقع ويهد الحائط عن بكرة ابيه. فرح الجميع وكان مشهداً تاريخياً نقلته القنوات التلفزيونية مباشرة على الهواء، ونادت النساء الالمانيات حينها “ايش ليبي ديش…غير حسن بوند افيش.”

عاد حسن بوند بكل تواضع الى دياره لتركيب “السبايدرات” ولم يكن يعلم حينها انه هو من فتح الفوهة الاولى التي وحدت برلين الشرقية والغربية.

وعن شبيهه جايمس بوند العميل 007، فيقول حسن بوند ان جايمس هو عميل “سفن أب” ان شقت حالها وكان يعمل لصالح المخابرات البريطانية. ويضيف حسن ان جنس حوا  قضى على جايمس الذي اقترف العديد من الاخطاء الامنية نتيجة هوسه بالنساء الى ان حمل مرض الايدز.

بوند…حسن بوند لم يتزوج بعد. فهو يعتبر ان ما من امرأة على هذا الكوكب يمكنها ان تتحمل اسلوب حياته الصاخب والمليء بالمغامرات. اما علاقاته العاطفية، والتي يفضّل ان يسمّيها “نزوات”، فتعدّت عدد علب دخان البوند التي استهلكها. الا ان اصبح لقبه “دون خوان” وتم انتاج فيلم هوليوودي يسرد قصصه مع النساء.

بوند…حسن بوند ممتع. ممتع حتى لو افترضنا (اعوذ بالله) أن قصصه ليست حقيقية. اما كثير منّا، فكاذب ولكن من دون متعة. وكثير منا يطيّر فيولة لإضفاء شيء ما الى حياته. الا اننا نبقى مملّين، من دون طعم ولا نكهة. فالفرق بيننا وبين حسن كبير.

حسن بوند، كذبته بيضاء، وكذبتنا سوداء.
هو ممتع، ونحن المملّين
هو الحالم، ونحن النائمين
هو الاسطورة… ونحن المنافقين.

5٬571 مشاهدة

رأي واحد على “بوند…حسن بوند”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *