إفتراضي

فرضية الوجود
فرضية الوجود

بداعي الملل*، يدخل الى صفحة تعديل المعلومات الشخصية. يبتسم للحظة. ينقر على خانة “تاريخ الميلاد”. يُفكّر لوهلة، ثم يبتسم. يَحذف تاريخ ميلاده ويملأ الفراغ بـ 18 آب 1968… تاريخ وهمي سيعلن ولادة شخص وهمي أعرفه كما تعرفونه جميعاً. يطلب منه “فايسبوك” إعادة إدخال كلمة السّر للتأكد من هويته. يلبّي رغبات الموقع. يُدخل كلمة السّر: “رحلة”. أدخل عالم أحمد الإقتراضي.

تمر اﻷيام وينسى أحمد ما قام به في تلك الليلة حتى حلّ يوم 18 آب 2011. يستيقظ الشاب العشريني قرابة الساعة الاولى بعد منتصف الليل مع انقطاع التيار الكهربائي وتوقُف المروحة عن الدوران. يصيبه اﻷرق وتفشل كل محاولاته للعودة الى النوم. يمسك هاتفه “الذكي” – وهي صفة نقلها البشر الى الكومبيوترات لسبب أجهله – ويبدأ بتصفح “فايسبوك”. مفاجأة السهرة: أسرة الموقع وعموم أصدقائه كتبوا أجمل المعايدات، كل على طريقته، على حائط احمد الـ “فايسبوكي”. وهذه ليست سوى البداية… فـ 18 آب ليس عيد ميلاد أحمد ايها اﻷصدقاء.

تختلط مشاعر الذهول لدى أحمد مع فرحة غير مبرّرة، ما لبثت ان تحولت ضحكة ساخرة، بعد تذكّره انه قام بتعديل تاريخ ميلاده في إحدى ليالي الملل التي لا تُعد ولا تُحصى. شعور جميل بأن تتلقى عدداً كبيراً من المعايدات في عيد ميلادك. أبقى أحمد هذا السّر لنفسه وعمل على تطويره. وبدل تلقّي المعايدات مرّة كل سنة كأي كأئن حي يولد في تاريخ محدّد، احتفل أحمد بعيد ميلاده ثلاث مرات خلال ستة أشهر. وفي كل مرة يعدّل فيها تاريخ ميلاده، كان اﻷصدقاء اﻷوفياء يعايدونه مجدداً حتى بدأ يلاحظ ان كل أصدقائه هم أصدقاء إفتراضيون وان غبائهم هو غباء حقيقي.

تَوسّع أحمد في لعبته لتطاول باقي تفاصيل حياته. فقام بتحويل وضعه العاطفي عبر “فايسبوك” من “أعزب” الى “مُرتبط” ما رَفَعَ من شأنه اجتماعياً. ثم عاد واختار “أعزب” بعد فترة ليصبح متوفراً ﻷي فتاة مهتمة به.

وانتقل أحمد من سكنه في احد أزقة النبعة البائسة الى شارع فردان الراقي. هذا ما كتبه على “فايسبوك” أخيراً ولذلك توجّب تصديقه. كما اعتبر أحمد ان تسمية “جوّال” التي اعطاها العرب للهاتف الخليوي تبرر له أن يحدد على الموقع “تجوّله” بين مطعم هنا او قهوة هناك، والحقيقة هي أنه يقبع في غرفة الجلوس مع باقي أفراد عائلته. وفي خانة “العمل” كتب أحمد انه “فريلانس ديزاينر” (freelance designer) وهي عبارة رائجة حالياً وتحمل نفس معنى “عاطل عن العمل”، ولكن مع لمسة فنية.

أحمد، كما أخبرتكم، هو أحد اصدقائي، أو أحد اصدقائكم… هو أنا أو أنتم ولكن بنسب متفاوتة. هل تصدّقونني إذا قلت لكم ان أحمد انتحر؟ لا تسألوا عنه في النبعة أو في فردان، تُقبل التعازي على حائط أحمد على موقع”فايسبوك”… فحذار ان تقدّموا التعازي أكثر من مرّة.

* مقتبس عن قصة حقيقية

  نُشرت في جريدة النهار اللبنانية تاريخ 6 أيلول 2012

5٬174 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *