خلال قرائتي لكتاب جين شارب “من الديكتاتورية الى الديمقراطية“، والذي يتحدث فيه عن المقاومة اللاعنفية، قمت باختبار في محاولة لتطبيق بعض الأفكار على النظام اللبناني.
في المبدأ، الهدف من المجموعات او الأندية او المنظمات هو ادارة شؤونها الخاصة وتحسين ظروف وموقع المجموعة من ناحية اهتماماتها او اختصاصها (المهنة\الهواية\المنطقة). اللائحة ادناه هي لائحة (غير مكتملة) لمجموعات مدنية لبنانية:
– المجالس الطلابية: الانتخابات الطلابية في الجامعات بغالبيتها الساحقة يتم التصويت فيها حسب التبعية السياسية وليس حسب مصالح وحاجات الطلاب داخل حرم الجامعة. ما يجعل تحقيق المطالب الطلابية غير قابل للتنفيذ. وعند صدور النتائج، ترتفع اصوات الأحزاب ووسائل اعلامها معلنة النصر. ولا يُذكر المجلس الطلابي الا عند اقتراب الإنتخابات في العام الدراسي المقبل.
– النقابات: المحامون والأطباء يصوتون حسب التبعية السياسية. واللوائح تُشكل حسب هذه التحالفات. الا ان هذه الكادرات لا تزال تملك حيّزاً لتحقيق مطالبها بسبب موقعها العامودي (الطبقي) في المجتمع. الاتحاد العمالي العام او اتحاد النقل معروفان بتبعيّتهما الى نبيه برّي ولا يقدمان اي من الحقوق الى العمال. اما هيئة التنسيق النقابية، والتي وجدت بسبب تفوق السياسة في لبنان على المطالب العمالية، فتواجه صعوبة كبيرة في تحقيق القليل من حقوقها كونها تقاتل وحدها هذا الأخطبوط.
– المفكرون\الاعلام: كل وسيلة اعلامية (صحيفة او تلفزيون) تعمل في خدمة الفريق السياسي الذي يملكها او الطرف الذي يمولها. تبث في عقول المشاهدين والقراء ما يراه السياسيون مناسباً. وسلعتها الأقوى هي الأقلام المأجورة من “المثقفين“.
– الأندية الرياضية: نوادي كرة السلة وكرة القدم، الأكثر شعبية منها، تتبع لأحد الأطراف السياسية، ما يجعل تطورها معلقاً بالدعم والتمويل السياسي. وهي كانت في عدة مناسبات نقطة انطلاق او وقوداً للصراعات الطائفية.
– القرى والمجالس البلدية: الانتخابات البلدية يترشح فيها ممثلو الاحزاب السياسية مع ان هدفها الاساسي هو تنظيم شؤون وتوفير الحاجات المحلية. فليس من الغريب ان تدخل الأحزاب السياسية في قضايا الصرف الصحي والنفايات. ومع ذلك، لا يعبّد طريق، ولا توفّر المياه في قرية نائية، الا بزيارة وفد كبير من القرية الى دارة البيك لتجديد البيعة. وحينها فقط يحمل البيك تلفونه ويتصل بوزارة الأشغال لتأمين نقلة زفت لأهالي القرية الأوفياء.
– العائلات: رغم ان جامعة آل فلان او رابطة آل علتان وجدت اصلاً بهدف التنمية واظهار مساهمة ايجابية من افراد العائلة في المنفعة العامة، فإن دورها اصبح اكبر في الإنتخابات البلدية والنيابية حيث يصوّت افراد العائلة بالعشرات او المئات او الآلاف “صبّة وحدة” في صناديق الإقتراع لهذا الحزب او ذاك، ما يجعل هدف وجودهم الأساسي – التنمية والمساهمة – فولكلوراً مرّ عليه الزمن.
– المهرجانات (بعلبك، صور، بيت الدين، اهدن…): كل مهرجان يتبع لزوجة زعيم سياسي (بطريقة شرعية او غير شرعية). الهدف المبدئي للمهرجانات هو تنمية الثقافة والفنون. الا انه في حالتنا، ومع الأسعار الخيالية للبطاقات، فإن الهدف هو التحضير لخطبة الزعيم قبل الإنتخابات: “ما مننساكن، عملنالكن مهرجانات، جبنالكن سواح”.
كما قلنا سابقاً، الهدف من هذه المجموعات او الأندية او المؤسسات غير الرسمية تطوير وتحسين ظروف وموقع المجموعة من ناحية اهتمامها او اختصاصها (المهنة\الهواية\المنطقة)، وبالتالي تطوير المجتمع بكل شرائحه. الا ان الظاهر من هذا التعداد البسيط هو ان هذه المجموعات كلها تتبع للطبقة السياسية الحاكمة التي تتقاسم الحصص والأدوار في حكم لبنان. وبالتالي، فإن هذه المجموعات لا تعمل من اجل حقوقها وأهدافها الخاصة من حق العامل وتنمية الرياضة و تحسين اوضاع الطلاب، بل تتصرف بما يخدم الإرتباطات السياسية الأكبر. وبالتالي لا يجوز اعتبارهم مجموعات مستقلة. فهي تحولت من مجموعات مستقلة غير سياسية، الى ادوات تابعة للنظام، من الألف الى الياء، تحصل على بعض مطالبها عبر الحزب او الزعيم السياسي، وليس عبر المؤسسات الرسمية. وبدل ان يكون المواطن صاحب حقوق، يصبح طالب شفقة من السياسيين.
هذه المجموعات، التي تشكل قسماً كبيراً من المجتمع، هي المجموعات الوحيدة القادرة على احداث تغيير في المجتمع. اذ ان هذه المجموعات هي ما يحتاجه النظام ليستمر وليحافظ على قوته. فالأنظمة بحاجة الى تعاون المجتمع مع السلطة لكي تستمر، وعندما تفقد هذا التعاون…تخسر. ومن هنا قوة “العصيان المدني” على سبيل المثال…او المزاح.
الأفراد، كل على حدة، لا يملكون القدرة عل احداث تغيير، او حتى التفكير بخطة لتغيير النظام. فالأنظمة تعمل على فصل الأفراد عن بعضهم ليصيبهم الشلل واليأس وحتى الخوف من بعضهم البعض. المجموعات والأندية والنقابات تخلق عند الفرد هوية اضافية، شعوراً بالإتحاد مع الآخر، والحماس لتحقيق هدف معين. اما في حالة لبنان، فهي تُجرّد الفرد من أية هوية خاصة، تفرض عليه التبعية للنظام، وتجعل من اي هدف وسيلة لإستمرار النظام. ولكن… ماذا اذا كسرنا هذا الرابط العامودي مع النظام؟