معارضة

انطلقت في اسرائيل منذ حوالي شهرين حركة احتجاجية قادتها مجموعة من الشباب المطالبين بتخفيض اسعار الشقق والايجارات. ما لبثت التظاهرات ان ازدادت عدداً وتنوّعاً لينضم اليها الاتحاد العمالي الاسرائيلي ونقابة الاطباء ومجموعات اخرى. فتحولت الحملة من مطالبها المحدودة الى انذار يفيد بضرورة اعادة النظر بالسياسات الاقتصادية-الاجتماعية المتّبعة في اسرائيل منذ عقود.

حينها رأت زعيمة حزب كاديما “تسيبي ليفني”، كأي معارضة سياسية، ان الفرصة قد حانت لاسقاط نتانياهو بالسلاح الاقتصادي-الاجتماعي قبل موعد الانتخابات المقبلة. فأعلنت دعمها للحركات الاحتجاجية (ورفض المتظاهرون دعمها)، وبدأت بمهاجمة الحكومة وطريقة تعاطيها مع الازمة الحالية. حينها اظهرت استطلاعات الرأي انخفاض شعبية نتانياهو نتيجة عدم تقديمه حلول او اصلاحات طالبت بها الحركة الاحتجاجية. الا ان اللافت في الاستطلاعات ان شعبية ليفني لم ترتفع امام نتانياهو، ولم تكسب المعارضة ما خسرته الحكومة.

ايضاً وايضاً، ردّت الصحافة الاسرائيلية على ليفني ومحاولاتها ركوب موجة الاحتجاجات بهدف التصويب على نتانياهو. فقال بعض المعلّقين انه من الطبيعي ان تستغل المعارضة نقاط ضعف الحكومة. وبالطبع، فإن انتقاد سياسات الفريق الحاكم هي من بديهيات “المعارضة.” الا ان المعارضة، اضافة الى الانتقاد، لها وظيفة اخرى وهي طرح البدائل والحلول للأزمات التي تمرّ بها البلاد.

الوضع مماثل في لبنان. فالمعارضة الحالية، بقيادة الله اعلم، تنتقد حكومة ميقاتي، او حكومة الله يستر. وهي تستغلّ ملفات كالمحكمة والكهرباء والوضع السوري لاضعاف شعبية الحكومة (المنخفضة اصلاً). تماماً كما كانت اطراف الحكومة الحالية  (المعارضة سابقاً) تستغل ملفّات اخرى، بالاسلوب نفسه، دون ان تأتي بأي نتيجة لمصلحة المواطن. الا انه إضافة الى “الانتقاد”، لن تقدّم المعارضة اية بدائل او حلول تزيد من ساعات التغذية في ملف الكهرباء، او تخفّض نسب التسييس في ملف المحكمة. كما لن تأتي المعارضة بطائرات الميغ الروسية المركونة في مرآب في بتغرين لتسلّمها للجيش اللبناني، ولن تقوم بأكثر من السباب لدعم الشعب السوري.

الفرق بين لبنان واسرائيل هو ان الاحتجاجات الشعبية على غلاء الايجارات وارتفاع اسعار الشقق غير موجود اصلا في لبنان. كما ان الاحتجاجات على الكهرباء والخدمات الاخرى محدودة بفولكلور حرق الدواليب العابر للطوائف والاتجاهات السياسية. والذي هو اقرب الى “البلطجة” و”المرجلة” على باقي المواطنين بدل ان يكون موجهاً الى الطبقة الحاكمة.

اذاً، لا موجة احتجاجات شعبية كتلك التي تحصل في اسرائيل تركبها المعارضة لاسقاط الحكومة. وحتى لو وُجدت، فالحكومة ايضاً قادرة على اظهار مدّها الشعبي في الشارع. لنستنتج مجدداً ان لا امل في هذه البلد بحكومة او بمعارضة او بجمهور يتظاهر تارة مع المعارضة، وتارة ضدّها…فنحن خلقنا لنعترض.

2٬223 مشاهدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *