
“لا شك أن اشتياقي الى السفر هو تعبير عن رغبة في الهروب من الضغط، وهو مماثل للقوة التي تدفع هذا العدد الكبير من المراهقين الى الإبتعاد عن منزل أهلهم. كنت قد رأيت بوضوح منذ فترة طويلة أن جزءاً كبيراً من متعة السفر تكمن في تحقيق هذه الرغبات المبكرة، التي يعود أصلها، في عدم الرضا عن البيت والأسرة. عندما يرى المرء البحر بعينيه، ويعبر المحيطات، ثم يعيش تجارباً ويزور مدناً وأمكنة تمثل ما كان سابقاً رغبات بعيدة كل البعد عن التحقق، يشعر بأنه بطل حقق أعمالاً عظيمة لم يسبق لها مثيل.” (ترجمة خاصة من الإنكليزية – سيغمند فرويد – إضطراب في الذاكرة على الأكروبوليس – 1936)
حوار مع صديقة زارت مدينة دبي:
– بدي ارجع ع دبي.
– ليش؟
– فكرة اني مرتبطة بعالم وسلطة هي اللي مش موجودة ب دبي. لا أهل ولا أصدقاء قريبين منك فيهن يحاسبوك ع شو عملت او شو مش عم تعمل من “واجباتك”. هون ب دبي إنت قاعد بمطرح، منَظَم، من دون ما يدق فيك أو بحريتك أو بشكلك أو بخيارك.
– بس في موضوع الخلاعة باللبس.
– طبعاً، بس غير هيك بتمشي ما حدا بيطلع فيك وانا عندي مشكلة مع الاماكن العامة. كنت إخجَل وخاف من زمان لإنو عندي فكرة إنو الكل عم يطلع فيني وناطرني وهيدي بحسا دائماً ب لبنان. هونيك ب دبي انت غير موجود بالنسبة ل غيرك. هيدا اول شي زعجني، انو ليه ما حدا بيطلع فيني؟ هل انا غير موجودة؟ هل انا شبح؟ أديه حلو كون رقم مجهول بين ملايين؟ … بيرجع في شي بيقلي لاء يا بنت. المجتمع المُقفَل تبع بيروت أحلى. كلو بيعرف كلو، كلو بيحكي عن كلو، وكلو بيشك ع كلو. عرفت؟ صراع حضارات جوات راسي الفارغ.
– بس انو عم تحكي عن تجربة مماثلة لشو بيعيش الشخص بأوروبا مثلاً، ما حدا بيطَلَع ب حدا ع الطريق. شو الفرق بين دبي وأوروبا؟ انا مش رايح ع دبي.
– الفرق بين دبي واوروبا مثلاً انو بأوروبا عندك ثقافة محلية تتعلم منها. هيك بتفرق عن دبي. دبي بتزعج بس تتذكر إنو ما في شي حقيقي تكتسبو من قعدتك فيها ك دبي، على عكس الحياة ب مدينة اوروبية مثلاً.
– وهيدا شي زاعجك حالياً؟
– أديه بتقدر تقعد بمطرح من دون ما تنق؟ أول ما جيت انزعجت من المولات (الأسواق التجارية). بس ما سمحت لحالي نق وفعلا هيك صار. تكيّفت.
– بتقصدي بالتكيّف (adaptation) يعني قبول أمر مزعج متل المولات مقابل التخلص من شي تاني كان يزعجك بلبنان؟ متل إنو دبي هي قصة عالم تكيّفوا مع خلطة بشر اجتمعوا ب مدينة تكيّفت مع الصحرا؟
– ايه مزبوط، اخر مرة قضيناه بالمول كل النهار واشتريت غراض وما انزعجت. خلص صار في تَكيُّف.
– ايه والله لنكيّف. وليش ما قدرتي تتكيّفي ببيروت؟
– ببيروت انا بقيت نق وحسيت انو رغم أديه عندي مجتمعي هون بس ما كنت متكيفة. فوضى فتت فيها لأنو في عالم شغلتا تحكم عليك وتحسسك انك ناجح أكتر من اللزوم أو فاشل أكتر من اللزوم. عالم قاعدة تصنفك. وبيروت مطرح مطلوب منك في تعمل واحد تنين تلاتة. بدك تشتغل بهالمكان. وبدك تتتعلم بهالمكان. وبدك تعيش بمطرح في حرب كمان! ومفروض تكون مبسوط. انا كتير الاوضاع الامنية بتحبطني. كل التفجيرات والاشتباكات اللي صارت بلبنان كانت سبب رئيسي بالإحباط.
– طيب منيح فهمانة ع حوالك شو بيناسبك وشو ما بيناسبك وشو ما ناسبك بالماضي. وبنفس الوقت بدك تتذكري انو مش كل شي اسود أو ابيض ومتل ما في مولات بدبي في تفجيرات بلبنان.
– اي هيدي منتعلما بس نكبر. حالياً بعدني كلو بصنفو حسب مشاعري