فرويد ونظرية السلوك الإجتماعي
يبني مؤسس نظريات التحليل النفسي سيغمند فرويد نظريته حول “السلوك الجماعي” انطلاقاً من فكرة ان الإنتماء الى مجموعة يساهم في اطلاق اللاوعي (العقل الباطن)، الذي يتضمن مجمل التجارب الشخصية المكبوتة ومحركات السلوك والطاقة الغريزية الجنسية (الليبيدو).
وحسب فرويد، يتم إطلاق اللاوعي في هذه الحالة نتيجة نقل او تحويل “الأنا العليا” او “مركز الأخلاق” من الفرد الى الجماعة، وتحديداً الى القائد صاحب الكاريزما. ويخلق هذا النوع من السلوك تراجعاً بحس المسؤولية الفردية، مع نقل الهوية الفردية الى الجماعة التي تُفَوض القائد ممثلاً عنها وعن أحلامها وتطلعاتها.
وفي المقابل، يتم إطلاق مشاعر الكراهية والغرائز العدائية الى “الآخر” أو “العدو” الذي يتمثل بالجموع التي تخالفهم الرأي.
وخلال عمله على سايكولوجيا الجموع، حذر فرويد من خطورة إبراز اللامنطق (irrational) البشري بين الجموع. فهو اعتبر ان الجموع تتحرك طبقاً لقوى الليبيدو او الدافع الجنسي. ورغم تحذيره من التلاعب بهذه القوى التي لا تستند الى خلفيات منطقية، ايقظت العديد من الأنظمة عمداً هذه القوى معتبرة انها قادرة على السيطرة عليها لاحقاً.
وقبل الغوص في التفاصيل، تجدر الإشارة أن هذا السلوك ليس محصوراً بما يحصل في مصر حالياً، بل هو منتشر في كافة أنحاء العالم في مجالات السياسة والإقتصاد والإعلام.
1 – الإستفتاء والانحياز لمطالب الشعب
لطالما صرّح عبد الفتاح السيسي في مناسبات عدة انه “لا يمكن للقوات المسلحة أن تكون قد تحركت في 30 حزيران/يونيو من أجل مصالح شخصية”، نافياً أي نية للتشرح لمنصب رئاسة الجمهورية. إلا أنه، كما كان متوقعاً لدى الكثيرين، ترشح لاحقاً لمنصب الرئاسة.
وبعد تظاهرات 30 يونيو الهادفة لإسقاط الرئيس الإخواني، وُضع مرسي تحت الحراسة في نادي الجيش وبدأت إجراءات محاكمته بتهمة قتل المواطنين المصريين والتخابر مع دول أجنبية.
وفي حين خرجت أصوات اتهمت الجيش بتنفيذ انقلاب عسكري، أتت الردود مبررة أن ما حصل كان تنفيذاً لإرادة المتظاهرين في 30 يونيو، وأن ما حصل كان سلمياً وحضارياً ومن دون أي أعمال عنف.
وأجري بعد 6 أشهر على تظاهرات 30 يونيو إستفتاء دستوري (يناير 2014). ومن نتائج الإستفتاء تفويض السيسي وترقيته لرتبة مشير. ومن بين اهداف التفويض “محاربة الإرهاب” (والمقصود به الإخوان).
2 – عشاق القائد في “الساحة”
وبعد أيام على الإستفتاء وتفويض السيسي (2014)، تجمع آلاف المصريين في ميدان التحرير إحتفالاً بذكرى ثورة 25 يناير 2011. إلا أن الشعارات والصور المرفوعة في الإحتفال كانت بمعظمها تمجيداً لعبد الفتاح السيسي (وحسني مبارك) ومعادية للإخوان بصفتحهم متآمرين على مصر بدعم من دول مثل قطر وتركيا وأميركا. فكان المشهد وكأنه إحتفال بوصول المخلص عبد الفتاح السيسي.
وعنونت صحيفة الغارديان البريطانية حينها أن “حمى الهوس بالسيسي تجتاح مصر”. ففي السوق تحولت حمى السيسي الى سلع تنوعت بين المواد الغذائية والحلى. فتجد مثلاً حلويات وشوكولاتة وضع عليها صورة السيسي. وتوضح صاحبة أحد المتاجر إنها حصلت على الفكرة فى آب/أغسطس الماضي بعدما قامت قوات الأمن المصرية بفض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي فى ميداني رابعة والنهضة. حتى ان صورة السيسي ظهرت على ملابس نوم النساء في متاجر القاهرة وعلى الملابس الداخلية.
3 – تحويل كل مشاعر الكراهية الى “العدو”
ومع العهد الجديد في مصر، بدأ مجدداً عهد حلّ حركة الإخوان المسلمين وحظر أنشطتها وشعاراتها (وشعار رابعة). ورافق الحظر حرق محلات تجارية يملكها أفراد يدعمون الإخوان، إضافة الى زج الآلاف من معارضي الحكم الجديد في السجون. حتى غريزة القتل أصبحت مبررة في مجزرة فض إعتصام رابعة العدوية.
الليبيدو والرئيس “الدكر”
ومن أكثر الأوصاف المثيرة للجدل التي اعطيت للسيسي صفة “دكر” التي صدرت عن لسان العديد من الفنانين والسياسيين والإعلاميين. فقال عضو مجلس الشعب السابق مصطفى بكري في حديث تلفزيوني ان “السيسي دكر ونحتاجه الآن بشدة.” كما اعلن المطرب الشعبي “شعبان عبد الرحيم” عن أغنية جديدة عنوانها “السيسي دكر، وتفكيره مبتكر” ويمتدح فيها المشير. وتجدر الإشارة الى ان “العضو الذكري” هو أحد رموز القوة وسلطة الرجل في مجال علم النفس.
ولطالما استُغل العامل الجنسي في مصر لإنتقاد فئة أو أخرى. فتُتَهم النساء المشاركات في التظاهرات بأنهن نساء “فاجرات” تخرجن من منازلهن بحثاً عن اللهو في التظاهرات. كما استعمل سلاح التحرش والإغتصاب منذ بدء التظاهرات عام 2011، لترهيب المشاركات في التحركات ونشر الخوف في أنحاء مصر.
ورغم الطابع المحافظ للمجتمع المصري، الا ان تعبير النساء عن مشاعر الحب والشهوة اصبحت مسموحة ولائقة اذا كانت موجهة للسيسي. وهذا تأكيد على إطلاق اللاوعي والغرائز الجنسية في المجتمع وتبريرها من أجل تحقيق أهداف سياسية. حتى ان بعض رجال الدين أعربوا عن “تفهمهم” للموضوع. إذ، وفي تصريح تلفزيوني لافت، “عبّر” رجل الدين القبطي القمص بولس عويضة عن حبه للسيسي قائلاً: “أذوب عشقا في السيسي، والنساء معذورات في حبه”.
وتعليقاً على الإستحقاق الرئاسي، قال رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوى ان “النساء يطلبن ترشح السيسى لوسامته”. وعلقت عشرات الوجوه الإعلامية المصرية بالإسلوب ذات الطابع “الشهواني” على شخصية السيسي و”وسامته” ومشاعر “جموع نساء مصر” تجاهه. فمثلأ، اعتبر عبد الحيلم قنديل ان “السيسي ملك قلوب النساء” في مصر.
واللافت ان كل هذه التصريحات لم تتضمن أي توصيف عقلاني حتى الآن لما قد يقدمه السيسي على المستوى السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي.
هيستيريا
حتى الروابط العائلية والصداقات بين أفراد المجتمع تفقد قيمتها عندما تُحول كل مشاعر الحب والعاطفة الى القائد المخلّص. ومن نتائج هذا النوع من التصرفات خلق حالة سلبية وجمود في المجتمع حيث لا عامل مؤثر في الدينامية المجتمعية إلا موقف الأفراد من القائد وهذا نوع من الفاشية الأفقية المفروضة من مواطنين على مواطنين آخرين. فتجد في الصحف أخباراً ملفتة مثل أن أماً بلّغت الشرطة عن ابنها لأنه عضو في “حركة شباب 6 إبريل” المعارضة للسيسي، ثم تطرد المحامي المدافع عن إبنها، لتوجه النيابة للإبن تهمة “الإنتماء لجماعة إرهابية”. أو مثلاً أخبار “تحطيم أهالي ببني سويف لمحل يعتقد ان صاحبه إخواني”، أو “إحراق شركة لإتهام مالكها بتمويل الإخوان في المنصورة”.
Deja vu?
تشابه (وليس مؤامرة إمبريالية) ممتع يظهر بين الحدث المصري وما حصل في النمسا منذ 75 عاماً.
الإنحياز لمطالب الشعب: ففي عام 1938، اعلن أدولف هيتلر في خطاب له أن “الرايخ الألماني لن يقبل بعد اليوم قمع عشرات ملايين الألمان خارج الحدود”، موجهاً كلامه للحكومتين النمساوية والتشيكسلوفاكية، كرد على مماطلة حكومة المستشار كورت شوشنيغ النمساوية في تسريع ضم النمسا الى المانيا.
الإستفتاء: وبعد إستفتاء شارك فيه النمساويون، دخل قانون إلحاق النمسا بألمانيا (ما يُعرف بـ”الأنشلوس“) حيز التنفيذ في 13 آذار/مارس 1938. وأيد قسم من النمساويين دخول القوات الألمانية الى الأراضي النمساوية، معبرين عن راحتهم بأن عملية دخول الجيش الألماني حصلت من دون اي أعمال عنف او معارك. والقصد من ذلك التأكيد على فكرة ان ما حصل لم يكن احتلالاً عسكرياً أو انقلاباً (سيطرة بالقوة على الحكم)، بل دعماً للشعب.
الحب للقائد: وبعد الإنتصار في الإستفتاء تجمع حوالي 200 الف نمساوي-الماني في الـ “هيلدن بلاتز” (ساحة الأبطال) وسط فيينا يوم 15 آذار/مارس 1938 للإستماع لخطاب “المحرر” هيتلر في الساحة. و رد ّهتلر خلال خطابه آنذاك على الإتهامات المعترضة على “الأنشلوس” معتبراً ان الصحف الغربية لا تتوقف عن الكذب عندما وصفت ما حصل بأنه “انقلاب عنيف”.
الكراهية للعدو: وبعد الإستفتاء، بدأ الحكم النازي، الذي توسع حديثاً في النمسا، بتضييق الخناق على كافة قطاعات المجتمع، وتنفيذ عمليات اعتقال واسعة للنمساويين. كما أُرسل المستشار النمساوي الى معسكرات الإعتقال، وأطلق سراحه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانهزام ألمانيا النازية. وكان من الشائع ترهيب اليهود (العدو) واقفال محلاتهم وكتاب الشعارات المسيئة على جدران متاجرهم، إضافة الى ترهيب معارضي الوحدة وسجنهم.
الطبيعة البشرية؟
نشعر يومياً بحاجة للإستسلام أمام أبسط تفاصيل الحياة، أو لأن نسلم مسؤولياتنا لشخص آخر ليهتم بها كأننا لا نزال أطفالاً. تعددت التسميات التي تُعَبر عن تخلينا عن أدوارنا في كافة المجالات ووضعها بتصرف شخص آخر. البعض يسميه كسلاً وخمولاً، والبعض الآخر يسميه ديمقراطية تمثيلية. فلنتذكر قصص الطفولة الذي أسست نظرتنا الى العالم. ولنتذكر ذاك الفارس الشجاع الجميل الذي يهب لنجدة الأميرة الجذابة الضعيفة والخائفة من المسخ، ويسمح لنا بالنوم العميق والطويل.. تسلم الأيادي!
الخلاصة رائعة! نحن نفتقد الى النظرة الموضوعية نحو الشخصيات السياسية. فإما نراهم أبطالًا او أعداءًا. فبشارة الخوري الذي ساهم في إستقلال لبنان لا أحد يذكر الفساد الذي سببه وخروجه من السلطة بمطالبة شعبية.
مية مية. وهو ساهم بتحويل بيروت الى مسخ من الباطون
http://www.executive-magazine.com/opinion/comment/devastated-by-laissez-faire
Wow ! may I know the name of the writer plz ?
moxy !
rehlamag@gmail.com